فصل: فصل: الأضرار التي تترتب على ذبح الذكور دون الإناث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: الأضرار التي تترتب على ذبح الذكور دون الإناث:

قال الفخر:
إن ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:
أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضي فناء الرجال، وذلك يقتضي انقطاع النسل، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن ألبتة في ذلك، وذلك يفضي آخر الآمر إلى هلاك الرجال والنساء.
وثانيها: أن هلاك الرجال يقتضي فساد مصالح النساء في أمر المعيشة، فإن المرأة لتتمنى وقد انقطع عنها تعهد الرجال وقيامهم بأمرها الموت، لما قد يقع إليها من نكد العيش بالانفراد فصارت هذه الخصلة عظيمة في المحن، والنجاة منها في العظم تكون بحسبها.
وثالثها: أن قتل الولد عقيب الحمل الطويل وتحمل الكد والرجاء القوي في الانتفاع بالمولود من أعظم العذاب، لأن قتله والحالة هذه أشد من قتل من بقي المدة الطويلة مستمتعًا به مسرورًا بأحواله، فنعمة الله من التخليص لهم من ذلك بحسب شدة المحنة فيه.
ورابعها: أن الأبناء أحب إلى الوالدين من البنات، ولذلك فإن أكثر الناس يستثقلون البنات ويكرهونهن وإن كثر ذكرانهم، ولذلك قال تعالى: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يتوارى مِنَ القوم مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ} [النحل: 58] الآية، ولذلك نهى العرب عن الوأد بقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق} [الإسراء: 31] وإنما كانوا يئدون الإناث دون الذكور.
وخامسها: أن بقاء النسوان بدون الذكران يوجب صيرورتهن مستفرشات الأعداء وذلك نهاية الذل والهوان. اهـ.
قال الفخر:
ذكر في هذه السورة {يُذَبّحُونَ} بلا واو وفي سورة إبراهيم ذكره مع الواو، والوجه فيه أنه إذا جعل قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} مفسرًا بقوله: {يُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} لم يحتج إلى الواو، وأما إذا جعل قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} مفسرًا بسائر التكاليف الشاقة سوى الذبح وجعل الذبح شيئًا آخر سوى سوء العذاب، احتيج فيه إلى الواو، وفي الموضعين يحتمل الوجهين، إلا أن الفائدة التي يجوز أن تكون هي المقصودة من ذكر حرف العطف في سورة إبراهيم أن يقال: إنه تعالى قال قبل تلك الآية: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: 5] والتذكير بأيام الله لا يحصل إلا بتعديد نعم الله تعالى، فوجب أن يكون المراد من قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} نوعًا من العذاب، والمراد من قوله: {وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} نوعًا آخر ليكون التخلص منهما نوعين من النعمة.
فلهذا وجب ذكر العطف هناك، وأما في هذه الآية لم يرد الأمر إلا بتذكير جنس النعمة وهي قوله: {اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40، 47، 122] فسواء كان المراد من سوء العذاب هو الذبح أو غيره كان تذكير جنس النعمة حاصلًا فظهر الفرق. اهـ.

.فصل: المراد بقوله تعالى: {يُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ}:

قال الفخر:
قال بعضهم: أراد بقوله: {يُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} الرجال دون الأطفال ليكون في مقابلة النساء إذ النساء هن البالغات، وكذا المراد من الأبناء هم الرجال البالغون، قالوا: إنه كان يأمر بقتل الرجال الذين يخاف منهم الخروج عليه والتجمع لإفساد أمره.
وأكثر المفسرين على أن المراد بالآية الأطفال دون البالغين، وهذا هو الأولى لوجوه:
الأول: حملًا للفظ الأبناء على ظاهره.
الثاني: أنه كان يتعذر قتل جميع الرجال على كثرتهم.
الثالث: أنهم كانوا محتاجين إليهم في استعمالهم في الصنائع الشاقة.
الرابع: أنه لو كان كذلك لم يكن لإلقاء موسى عليه السلام في التابوت حال صغره معنى، أما قوله وجب حمله على الرجال ليكون في مقابلة النساء ففيه جوابان:
الأول: أن الأبناء لما قتلوا حال الطفولية لم يصيروا رجالًا، فلم يجز إطلاق اسم الرجال عليهم، أما البنات لما لم يقتلن بل وصلن إلى حد النساء جاز إطلاق اسم النساء عليهن.
الثاني: قال بعضهم: المراد بقوله: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} أي يفتشون حياء المرأة أي فرجها هل بها حمل أم لا، وأبطل ذلك بأن ما في بطونهن إذا لم يكن للعيون ظاهرًا لم يعلم بالتفتيش ولم يوصل إلى استخراجه باليد. اهـ.

.فصل في سبب قتل الأبناء:

قال الفخر:
في سبب قتل الأبناء ذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: قول ابن عباس رضي الله عنهما أنه وقع إلى فرعون وطبقته ما كان الله وعد إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكًا فخافوا ذلك واتفقت كلمتهم على إعداد رجال معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودًا ذكرًا إلا ذبحوه، فلما رأوا كبارهم يموتون وصغارهم يذبحون خافوا الفناء فحينئذ لا يجدون من يباشر الأعمال الشاقة، فصاروا يتقلون عامًا دون عام.
وثانيها: قول السدي: إن فرعون رأى نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فدعا فرعون الكهنة وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: يخرج من بيت المقدس من يكون هلاك القبط على يده، وثالثها: أن المنجمين أخبروا فرعون بذلك وعينوا له السنة فلهذا كان يقتل أبناءهم في تلك السنة والأقرب هو الأول، لأن الذي يستفاد من علم التعبير وعلم النجوم لا يكون أمرًا مفصلًا وإلا قدح ذلك في كون الإخبار عن الغيب معجزًا بل يكون أمرًا مجملًا والظاهر من حال العاقل أن لا يقدم على مثل هذا الأمر العظيم بسببه، فإن قيل: إن فرعون كان كافرًا بالله فكان بأن يكون كافرًا بالرسل أولى، وإذا كان كذلك فكيف يمكن أن يقدم على هذا الأمر العظيم بسبب إخبار إبراهيم عليه السلام عنه.
قلنا: لعل فرعون كان عارفًا بالله وبصدق الأنبياء إلا أنه كان كافرًا كفر الجحود والعناد أو يقال: إنه كان شاكًا متحيرًا في دينه وكان يجوز صدق إبراهيم عليه السلام فأقدم على ذلك الفعل احتياطًا. اهـ.

.فصل: الفائدة من ذكر النعمة:

قال الفخر:
اعلم أن الفائدة في ذكر هذه النعمة من وجوه:
أحدها: أن هذه الأشياء التي ذكرها الله تعالى لما كانت من أعظم ما يمتحن به الناس من جهة الملوك والظلمة صار تخليص الله إياهم من هذه المحن من أعظم النعم وذلك لأنهم عاينوا هلاك من حاول إهلاكهم وشاهدوا ذل من بالغ في إذلالهم ولا شك في أن ذلك من أعظم النعم وتعظيم النعمة يوجب الانقياد والطاعة، ويقتضي نهاية قبح المخالفة والمعاندة، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه النعمة العظيمة مبالغة في إلزام الحجة عليهم وقطعًا لعذرهم.
وثانيها: أنهم لما عرفوا أنهم كانوا في نهاية الذل وكان خصمهم في نهاية العز إلا أنهم كانوا محقين وكان خصمهم مبطلًا لا جرم زال ذل المحقين وبطل عز المبطلين، فكأنه تعالى قال: لا تغتروا بفقر محمد وقلة أنصاره في الحال، فإنه محق لابد وأن ينقلب العز إلى جانبه والذل إلى جانب أعدائه، وثالثها: أن الله تعالى نبه بذلك على أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء، فليس للإنسان أن يغتر بعز الدنيا بل عليه السعي في طلب عز الآخرة. اهـ.

.فصل: المراد بقوله تعالى: {وَفِي ذلكم بَلاء مّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ}:

قال الفخر:
أما قوله تعالى: {وَفِي ذلكم بَلاء مّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ} قال القفال: أصل الكلمة من الابتلاء وهو الاختيار والامتحان قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] وقال: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} [الأعراف: 168] والبلوى واقعة على النوعين، فيقال للنعمة بلاء وللمحنة الشديدة بلاء والأكثر أن يقال في الخير إبلاء وفي الشر بلاء وقد يدخل أحدهما على الآخر.
قال زهير:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ** وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو

إذ عرفت هذا فنقول: البلاء هاهنا هو المحنة إن أشير بلفظ: {ذلكم} إلى صنع فرعون والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء وحمله على النعمة أولى لأنها هي التي صدرت من الرب تعالى، ولأن موضع الحجة على اليهود إنعام الله تعالى على أسلافهم. اهـ.

.قال الماوردي:

وفي قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} تأويلان:
أحدهما: أن فيما كانوا يفعلونه بهم: مِنْ سوء العذاب، وذبح الأبناء، واستحياء النساءِ شدةً وجهدًا عظيمًا.
والثاني: أن في إنجائهم من آل فرعونَ، الذين كانوا يفعلون ذلك بهم نعمةٌ من ربِّهم عظيمةٌ، وهو قول ابن عباسٍ، ومجاهدٍ، والسدي.
وأصل البلاء الاختبار في الخير والشر، كما قال عز وجل: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] لأن الاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، غير أن الأكثر في الشر أن يقال: بَلَوْتُه أَبْلُوهُ بلاءً، وفي الخير: أَبْلَيْتُهُ أُبْلِيهِ إبْلاءً، ومن ذلك قولُ زُهَيْرٍ:
جَزَى اللهُ بِالإْحْسَانِ مَا فَعَلاَ بِكُمْ ** فَأَبْلاَهُمَا خَيْرَ الْبَلاءِ الَّذِي يَبْلُو

فجمع بين اللُّغَتين. اهـ.

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} الآية.
وفى سورة الأعراف: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} فالقضية في السورتين واحدة وقد ورد في سورة البقرة: {نجيناكم} مضعفا وفى الأعراف: {أنجيناكم} غير مضاعف، وفى سورة البقرة: {يذبحون} وفى سورة الأعراف: {يقتلون} وقد ورد في سورة إبراهيم {يسومونكم سوء العذاب ويذبحون} منسوقا بحرف العطف ففى هذه الآية ثلاث سؤالات تعرض منها صاحب كتاب الدرة للفرق بين {يذبحون} وقوله تعالى في سورة إبراهيم {ويذبحون} وأغفل ما سوى ذلك.
والجواب عن الأول: أن الوارد في سورة البقرة مقصود به تعداد وجوه الإنعام على بنى إسرائيل وتوالى الامتنان ليبين شنيع مرتكبهم في مقابلة ذلك الإنعام بالكفر ولنقدم لذلك تمهيدًا فنقول: أنه تعالى بدأ عباده بالنعم وأحسن إليهم قبل إيجادهم حين ذكرهم في الأزل بخصوص التكريم وسبقت رحمته غضبه وله المن والطول وعلى لحظ ما ذكرنا ورعيه جرى خطاب الخلق في دعائهم إلى عبادته فقال تعالى في أول وارد من ذلك في كتابه العزيز على المعتمد من مقتضى الترتيب الثابت: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} إلى قوله: {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون} فذكرهم سبحانه بإيجادهم بعد العدم وجعله الأرض فراشا لهم والسماء بناء وانزال الماء من السماء واخراج الثمرات به وكل هذا انعام وإحسان منه لعباده من غير حاجة به إلى ذلك فدعا سبحانه الخلق لعبادته مذكرًا بإنعامه عليهم وبهذا أمر رسله فقال لموسى عليه السلام: {وذكرهم بأيام الله} أى بآلائه ونعمائه وعلى هذا جرى خطاب بنى إسرائيل في سورة البقرة في أول خطاب خوطبوا به ودعوا إلى عبادة الله وتصديق من قدم لهم في أمره وأخذ عليهم العهد في الإيمان به فقال تعالى: {يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم}.
فأجمل تعالى ثم فصل فذكر نجاتهم من آل فرعون وفرق البحر بهم ونجاتهم وهلاك عدوهم بالغرق ثم ذكر عفوه عنهم في عبادة العجل وتوبته عليهم وبعثهم من موتهم عند طلبهم الرؤيا، وتظلياهم بالغمام إلى ما ذكر تعالى بعد هذا.
فلما كان موضع تعداد نعم وآلاء ذكروا بها ليزدجروا عن المخالفة والعناد ناسبه التضعيف لاثباته بالكثرة ولو قيل هنا واذ أنجيناكم لما أنبأبذلك ولا ناسب المقصود مما ذكر، وأيضا فإن التضعيف فى: نجيناكم يناسب التضعيف الوارد بعده في قوله: {يذبحون} ولم يكن لفظ أنجيناكم غير مضاعف ليناسب.
والجواب عن السؤال الثانى: والله أعلم أن الذبح منبئ عن القتل وصفته وأما اسم القتل فلا يفهم إلا اعدام الحياة ويتناول من غير المقتول في الغالب فعبر أولا بما يوفى المقصود من الاخبار بالقتل مع احراز الايجاز، إذ لو ذكر القتل وأتبع الصفة لما كان ايجازا، فعدل إلى ما يحصل عنه المقصود مع ايجاز فقيل: {يذبحون} وعبر في سورة الأعراف بالقتل لأنه أوجز من لفظ يذبحون لأجل التضعيف إذ لفظ يذبحون أثفل لتضعيفه وقد حصلت صفة القتل في سورة البقرة فأحرز الايجاز في الكل وجاء على ما يجب ويناسب والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثالث: وهو قوله تعالى في سورة إبراهيم: {ويذبحون أبنائكم ويستحيون نسائكم} منسوقا بواو العطف فوجه ذلك والله أعلم أن هذه السورة مبنية على الإجمال والايجاز فيما تضمنته من قصص الرسل وغير ذلك ولم يقصد فيها بسط قصة كما ورد في غيرها مما بنى على الاستيفاء وكلا المرتكبين مقصود معتمد عند العرب:
يرمون بالخطب الطوال وتارة ** وحى الملاحظ خيفة الرقباء

وعلى هذا جرى خطابهم في الكتاب العزيز وتأمل المقصدين فقد ورد في سورة الأعراف وسورة هود قصص نوح وهود وصالح ولوط وموسى عليهم السلام فتأمل ما ما بين ورود هذه القصص الخمس في هاتين السورتين وورودها خمستها في سورة القمر وكيف مدت أطناب الكلام في السورتين الاوليين ثم أوجزت في سورة القمر أبلغ ايجاز وأوفاه بالمقصود، فلما كان مبنى سورة إبراهيم عليه السلام على الايجاز فيما تضمنت من هذه القصص افتتاحا واختتاما لقوله تعالى: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد} إلى قوله تعالى: {فردوا أيديهم في أفواههم} وما بعد هذه من الآى وانه انضم في هذه السورة إلى قصد الايجاز تغليظ الوعيد فلبنائها على هذين الغرضين ورد فيها قوله تعالى: {واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم} إلى قوله تعالى: {يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبنائكم} فأشار قوله سبحانه: {بسومونكم سوء العذاب} إلى جملة ما امتحنوا به من فرعون وآله من استخدامهم واذلالهم بالأعمال الشاقة وامتهانهم واستحياء نسائهم لذلك وذبح الذكور فلما وقعت الإشارة إلى هذه الجملة مما كانوا يمتحنونهم به جرد منها وعين يالذكر أشدها واعظمها امتحانا فجئ به معطوفا كما أنه مغاير لما تقدمه فقيل: {ويذبحون أبنائكم} فعين من الجملة هذا وخص بالذكر تعريفا بمكانة وشدة الأمر فيه، وهو مما أجمل أولا وشمله الكلام المتقدم.
كما ورد في قوله تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته} ثم قال: {وجبريل وميكال} فخصهما بالذكر والتعيين اعلاما بمكانهما في الملائكة بعد أن شملهم قوله تعالى: {وملائكته} فالوارد في سورة إبراهيم من هذه القبيل وقد تبين زجهه واتضحت مناسبته والله أعلم بما أراد.
وأما إعراب آية البقرة فيمكن في قوله تعالى: {يذبحون أبنائكم} أن يحمل على البدل وعلى الاستئناف وهو الأولى وكأن قد قيل وما ذاك؟ فقيل: يذبحون أبنائكم ولا إشكال في الأخرى. اهـ.